منذ عدة سنوات ظهر باحث بالمركز القومى للبحوث على شاشات الفضائيات، معلناً عن اختراعه لما سماه «القطرة القرآنية» التى ادعى أنه استخلصها من العرق، اعتماداً على الإعجاز العلمى فى سورة يوسف، والتى استرد فيها أبو سيدنا يوسف بصره بعد أن ألقى على وجهه بالقميص، ورغم أن هذا الرجل قد خلط المعجزة بالحقائق العلمية، وبرغم ثقتى فى زيف كلام هذا الباحث، الذى اتضح فيما بعد أنه خريج كلية زراعة ولا علاقة له بطب العيون، إلا أننى استضفته فى مناظرة ببرنامج «العاشرة مساء» مع د. حازم ياسين، الذى أثبت خرافة وزيف هذا الاكتشاف، وثبت بعدها أنه ينتحل صفة طبيب وله عيادة يبيع فيها القطرة القرآنية وأعشاباً يضحك بها على الغلابة، مدعياً أنها تشفى فيروس «سى»، وكل هذا تحت مظلة مسيئة للدين اسمها فلان الفلانى المعالج بالطب النبوى والباحث فى الإعجاز العلمى فى القرآن، والنبى والقرآن منه ومن أمثاله براء.

عند هذا الحد ومع اختفاء هذا الباحث كنت قد تخيلت أن الدجل الطبى تحت اسم الدين، وأن النصب الذى يستظل بشعارات دينية تدغدغ المشاعر وتخدر العقول، قد انتهى إلى غير رجعة، ولكنى اندهشت وفزعت حينما وجدت طبيباً، بل أستاذاً فى طب العيون يروج لهذا الاختراع الوهمى على صفحات مجلة «طبيبك الخاص» واسعة الانتشار، واعتبرتها كارثة، فالمنصب والتخصص يجعلان من هذا الدجل الطبى حقيقة علمية، ويحول النصب والجلا جلا إلى طب وصيدلة، وإذا كنا قد نغفر لصاحب الاختراع استخدامه لأدوات النصب وحيل الحواة فى ترويج بضاعته، فلابد ألا نغفر أو نتسامح مع هذه السقطة العلمية الخطيرة، من كتب وأكد على هذه الكارثة أستاذ طب العيون فى طب المنيا،

وقد تحدث عن هذه القطرة المزعومة فى صفحة ١١٧، رداً على سؤال: هل توجد قطرات لعلاج المياه البيضاء بدون اللجوء للتدخل الجراحى، رد الأستاذ المبجل المحترم قائلاً بعد كلامه عن عدم فاعلية قطرات المياه البيضاء باستثناء هذه المعجزة الطبية «ظهرت قطرة أخرى ثبت أنها مفيدة فى علاج المياه البيضاء وإزالتها بدون جراحة، وقد اعتمد صاحب هذا الابتكار على مكونات العرق التى وجدت على قميص سيدنا يوسف عليه السلام، حيث إن العرق يتكون من ٥٢ مادة يقول إنه قام بوضعها على ٥٢ عدسة جميعها ظلت معتمة ما عدا عدسة واحدة، فقام بتحليل هذه المادة وعرف مكوناتها، ثم قام بتركيب هذه المادة كيميائياً وتجربتها على مصابين بالمياه البيضاء، ولاحظ أن هذه التجربة نجحت تماماً فى إزالة المياه البيضاء بدون جراحة»!!!!!!.

أرجو من أطباء العيون ومن قسم طب العيون بطب المنيا بالذات الرد على هذا الهراء لإنقاذ سمعة العلم والطب الحديث الذى صار منهجه هو الطب القائم على الدليل وليس الطب القائم على الخزعبلات!، وأتحدى الأستاذ المحترم الذى كتب هذا الكلام أن يدلنى على مكان نشر هذا البحث، واسم المجلة العلمية التى نشرته؟،

وهل ينفع كلام مثل «لاحظ أن التجربة نجحت تماماً فى علاج المياه البيضاء» فى مجال البحث العلمى؟، أين نسبة نجاح البحث، وكم مريضاً خضع للتجربة، وما المجموعة الضابطة للمقارنة، وفى أى مستشفى جامعى تمت؟؟؟.

إنها مأساة وكارثة بكل المقاييس أن نبيع العلم لقاء شهوة الظهور وركوب موجة تجارة الإعجاز العلمى وخداع البسطاء، فلندع مثل هذه الأكاذيب العلمية تحاصر فى دكاكين العطارة وغرز المخدرات، لكن أن تقتحم أسوار الجامعة التى نتعلم فيها التفكير بالمنهج العلمى قبل أن نتعلم فيها حفظ المواد الدراسية وصم الكتب المقررة، فهذه هى الطامة الكبرى والخراب المستعجل.